«فرسان مالطة» سفارة بلا سفير.. ولها بعثات في 6 دول عربية

دولة «اعتبارية» بلا أرض وحكومة أو شعب

TT

«فرسان مالطا» دولة قائمة ربما قبل العشرات من الدول القائمة في القرن الحادي والعشرين؛ وهي دولة تختلف عن دولة مالطا الحالية في حوض البحر المتوسط، وان اكتسبت اسم هذه الجزر عندما منحها الملك شارل الخامس ومناطق قريبة من مدينة طرابلس في ليبيا الى مجموعة من المقاتلين باسم «فرسان مالطا» في 24 مارس (آذار) 1530. واستطاع هؤلاء الفرسان أن يدافعوا عن جزرهم (دولتهم) عام 1570 عندما حاصرها الاتراك لمدة 3 أشهر، إلى أن دمروا القوة البحرية العثمانية عام 1571، وفي عام 1798 ساء حال الفرسان حين غزا نابليون بونابرت مالطا وأجبرهم على مغادرة البلاد، ورغم أن معاهدة 1802 أعادت لهم الحقوق السيادية في البلاد، إلا أنه لم تكن بالسهولة العودة ثانية إلى مالطا، ولذلك انتهى بهم المطاف بالحصول على مقر في روما عام 1834.

ودولة «فرسان مالطا» هي دولة «اعتبارية» بكل المعايير؛ فهي بلا أرض وحكومة أو شعب تمثلها 96 سفارة «افتراضية» حول العالم، ولا تمثيل لها في إسرائيل. في الدول العربية عددها 6 ولا توجد في مصر فقط، كما ذكرت معظم التقارير التي نشرتها صحف ومواقع مصرية مستندة في ذلك إلى أقاويل حول ضغط إسرائيلي من أجل قبولهم على الأراضي المصرية، ولكن الحقيقة أن بعثة فرسان مالطا موجودة في المغرب وموريتانيا والسودان والأردن ولبنان، بينما ليس لها تمثيل دبلوماسي في إسرائيل والتي لا توجد ضمن قائمة سفاراتهم المعتمدة. وتقول المنظمة عبر موقعها على الإنترنت «فرسان مالطا محايدة وغير متحيزة وغير سياسية، وهذه الخصائص تمكنها من القيام بدور الوسيط كلما طلبت منها الدول التدخل من اجل تسوية نزاعات»، وتسمى السيادة التي تكتسبها فرسان مالطا سيادة وظيفية، لأنها تفتقر لمقومات السيادة الحقيقية؛ وذلك حسب ما أعلنته روما في 1953. وتبدو المعلومات عن فرسان مالطا متناقضة لأول وهلة، لكن معظمها قد يكون صحيحا؛ فهي منظمة تقوم بدور دولة، وهي أيضا دولة تحمل ملامح منظمة أو حركة، ولذا يمكن اعتبارها دولة ومنظمة في الوقت نفسه، كما أن لها ثلاثة أعلام رسمية لكل علم استخدامه ودلالاته، ولها تمثيل دبلوماسي في 96 دولة في العالم، ولكن لا أرض لها ولا سكان بها تستدعي كل هذا التمثيل الدبلوماسي؛ فمحكوموها عبارة عن أعضاء ومتطوعين في أنشطة خيرية طبقا لما تعلنه دولة فرسان مالطا دائما. الحديث الدائر في الآونة الأخيرة حول فرسان مالطا، تكتنفه الظنون والغموض؛ فالظنون منبعها الاحاديث التي أثيرت حولها، وخاصة عن دور مزعوم لها في العراق، الأمر الذي فتح باب الجدل أمام معلومات غامضة مثل علاقتها بأميركا وإسرائيل وما أثير عن أهدافها التبشيرية في العالم الإسلامي، وأما الغموض فسببه أن مصادر المعلومات عن تلك الدولة تقتصر تقريبا على كتب التاريخ من دون التطرق للنظام الداخلي لهذا الكيان صاحب السيادة وعلاقاته بدول العالم المختلفة حاليا وكيفية إدارته. تخضع دولة فرسان مالطا للقانون الدولي، مثلها مثل الهيئات الدولية العادية، إلا أنها تزيد عنها بأنها تتمتع بسيادة، ومقرها في روما. هذا الكيان الذي بلا أرض على الخريطة رغم تعدد سفاراته على مستوى العالم، يدار بواسطة 6 مسؤولين دينيين ويعاونهم 5 مساعدين بالإضافة إلى 47 جمعية وطنية موزعة على 5 قارات، وتقوم بإصدار جوازات السفر وطباعة الطوابع التي تدر عليها دخلا تستخدمه في أنشطتها، بالإضافة إلى تأسيس مؤسسات عامة مستقلة وتتمتع بالشخصية الاعتبارية ويحكمها رئيس يبقى مدى الحياة حتى وفاته وعملتها هي سكودو. علاقة فرسان مالطا بمصر أقدم بكثير من مجرد تمثيل دبلوماسي بدأ عام 1980 وفي سفارة تقع داخل مبنى قديم في شارع هدى شعراوي بوسط القاهرة، والمبنى عليه حراسة وليس كما ادعت تقارير أنهم يعملون في الظل ومن دون وجود أمني يحرسهم، صحيح عندما ذهبنا لتصوير السفارة وجدنا الحراسة نائمة وشبه غائبة على عكس معظم السفارات في هذه المنطقة، إلا أنها موجودة، مما جعل البعض يعتقد أنه تمثيل على الشعب وتستر وراء أنشطة أخرى وليس تمثيلا دبلوماسيا بالمعنى الصحيح، وهو ما قد توحي به جملة حارس العقار التي توجد فيه السفارة «ملكش دعوة بهنا روح سفارة مالطا في المعادي». تقوم سفارة فرسان مالطا في مصر بعدة أنشطة خيرية آخرها تجديد مستشفى علاج مرضى الجذام في محافظة القليوبية، وجاء ذلك من خلال راهبات إيطاليات قمن بحلقة الوصل بين إدارة المستشفى وسفارة فرسان مالطا لتوفير التمويل اللازم، وهو ما تم بالفعل. ويقول الدكتور أحمد رشاد مدير المستشفى لـ«الشرق الأوسط» «لا يهمنا ما يثار حول التمويل ومصادره، فنحن لنا الظاهر وليس الباطن.